===================
الــجــــزء الــثــانــي
مـــــــــــــواجـــــهـــة
فــــــرعــــــــــــــون
===================
واجه موسى فرعون بلين ورفق كما أمره الله . وحدثه عن الله . عن رحمته وجنته . عن وجوب توحيده وعبادته . حاول إيقاظ جوانبه الإنسانية في الحديث . ألمح إليه أنه يملك مصر ، ويستطيع لو أراد أن يملك الجنة . وكل ما عليه هو أن يتقي الله .
استمع فرعون إلى حديث موسى ضجرا شبه هازئ وقد تصوره مجنونا تجرأ على مقامه السامي . ثم سأل فرعون موسى ماذا يريد . فأجاب موسى أنه يريد أن يرسل معه بني إسرائيل .
ويعجب فرعون وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى العظيمة ، ويطلب إليه ذلك الطلب الكبير . فآخر عهد فرعون بموسى أنهم ربوه في قصره بعد أن التقطوا تابوته .
وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي . فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى العظيمة التي يواجهه بها بعد عشر سنين ! ومن ثم بدأ فرعون يذكره بماضيه . يذكره بتربيته له فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ لتأتي الآن لتخالف ديانتنا ، وتخرج على الملك الذي تربيت في قصره ، وتدعوا إلى إله غيره؟ ! ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم .
فلا يتحدث عنها بصريح العبارة { وإنما يقول وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ } فعلتك البشعة الشنيعة { وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } برب العالمين الذي تقول به اليوم ، فأنت لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين ! لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم؛ ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم؟ ! وظن فرعون أنه رد على موسى ردا لن يملك معه جوابا .
إلا أن الله استجاب لدعاء موسى من قبل ، فانطلق لسانه : { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل ، أندفع اندفاع العصبية لقومي ، لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكة . { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } على نفسي . فقسم الله لي الخير فوهب لي الحكمة { وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .
ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل ، وقتل أبنائهم ، مما دفع أمي لوضعي في التابوت وإلقاءه في اليم ، فتلتقطه فأتربى في بيتك ، لا في بيت أبويّ . فهل هذا هو ما تمنه علي ، وهل هذا هو فضلك العظيم؟ ! عند هذا الحد تدخل الفرعون في الحديث . . قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قال موسى : { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ } التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا : أَلَا تَسْتَمِعُونَ قال موسى متجاوزا سخرية الفرعون : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ } قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل : إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ عاد موسى يتجاوز اتهام الفرعون وسخريته ويكمل : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } نلاحظ أن فرعون لم يكن يسأل موسى عن رب العالمين أو رب موسى وهارون بقصد السؤال البريء والمعرفة .
إنما كان يهزأ . ولقد أجابه موسى إجابة جامعة مانعة محكمة { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } . هو الخالق . خالق الأجناس جميعا والذوات جميعا . وهو هاديها بما ركب في فطرتها وجبلتها من خواص تهديها لأسباب عيشها .
وهو الموجه لها على أي حال . وهو القابض على ناصيتها في كل حال . وهو العليم بها والشاهد عليها في جميع الأحوال .
لم تؤثر هذه العبارة الرائعة والموجزة في فرعون . وها هو ذا يسأل : { فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى } لم تعبد ربك هذا؟ لم يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه . ويرد موسى ردا يستلفته إلى أن القرون الأولى التي لم تعبد الله ، والتي عبدته معا ، لن تترك بغير مساءلة وجزاء . كل شيء معلوم عند الله تعالى . هذه القرون الأولى { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } . أحصى الله ما عملوه في كتاب . { لَّا يَضِلُّ رَبِّي } . أي لا يغيب عنه شيء .
{ وَلَا يَنسَى } . أي لا يغيب عن شيء . ليطمئن الفرعون بالا من ناحية القرون الأولى والأخيرة وما بينهما . إن الله يعرف كل شيء ويسجل عليها ما عملته ولا يضيع شيئا من أجورهم .
ثم استلفت موسى نظر فرعون إلى آيات الله في الكون . ودار به مع حركة الرياح والمطر والنبات وأوصله مرة ثانية إلى الأرض ، وهناك افهمه أن الله خلق الإنسان من الأرض ، وسيعيده إليها بالموت ، ويخرجه منها بالبعث ، إن هناك بعثا إذن . وسيقف كل إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى . لا استثناء لأحد . سيقف كل عباد الله وخلقه أمامه يوم القيامة . بما في ذلك الفرعون . بهذا جاء موسى مبشرا ومنذرا . لم يعجب فرعون هذا النذير ، وتصاعد الحوار بينه وبين موسى . فالطغيان لا يخشى شيئا كخشيته يقظة الشعوب ، وصحوة القلوب؛ ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة؛ ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية . لذلك هاج فرعون على موسى وثار ، وأنهى الحوار معه بالتهديد الصريح . وهذا هو سلاح الطغاة عندما يفتقرون للحج والبراهين والمنطق : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } . إلا أن موسى - عليه السلام - لم يفقد رباطة جأشه .
كيف يفقدها وهو رسول الله ، والله معه ومع أخيه؟ وبدأ الإقناع بأسلوب جديد ، وهو إظهار المعجزة { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ } فهو يتحدى فرعون ، ويحرجه أمام ملأه ، فلو رفض فرعون الإصغاء ، سيظهر واضحا أنه خائف من حجة موسى { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } .
ألقى موسى عصاه في ردهة القصر العظيمة . لم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة . ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر .
===================
تــحــدي الــســحــرة
===================
وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل . حيث شاور فرعون الملأ من حوله فيما يجب فعله . والملأ لهم مصلحة في أن تبقى الأمور على ما هي عليه ، فهم مقربون من فرعون ، ولهم نفوذ وسلطان . فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله ، فيجمع السحرة لتحدي موسى وأخاه .
حدد الميقات ، وهو يوم الزينة . وبدأت حركة إعداد الجماهير وتحميسهم فدعوهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد ، ليراقبوا فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي ! والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور .
أما السحرة ، فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنون على الأجر والمكافأة إن غلبوا موسى . فهم جماعة مأجورة ، تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي تنتظره؛ ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية ، ولا شيء سوى الأجر والمصلحة .
وهم هم ألاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع . وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر . يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه . وهو بزعمه الملك والإله ! وفي ساحة المواجهة . والناس مجتمعون ، وفرعون ينظر . حضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام ، وحضر السحرة وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل ، وكلهم ثقة بفوزهم في هذا التحدي . لذا بدءوا بتخيير موسى : { إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } وتتجلى ثقة موسى - عليه السلام - في الجانب الآخر واستهانته بالتحدي { بَلْ أَلْقُوا } فرمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون { فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}.
رمى السحرة بعصيهم وحبالهم فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة { سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}.
وحسبنا أن يقرر القرآن الكريم أنه سحر عظيم { وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } ، لندرك أي سحر كان . وحسبنا أن نعلم أنهم { سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ } وأثاروا الرهبة في قلوبهم { وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } لنتصور أي سحر كان . فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف . في هذه اللحظة ، يذكّره ربّه بأن معه القوة الكبرى .
فهو الأعلى . ومعه الحق ، أما هم فمعهم الباطل . معه العقيدة ومعهم الحرفة . معه الإيمان بصدق الذي دفعه لما هو فيه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة .
موسى متصل بالقوة الكبرى والسحرة يخدمون مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا . لا تخف { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } وستهزمهم ، فهو سحر من تدبير ساحر وعمله .
والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار ، لأنه يعتمد على الخيال والإيهام والخداع ، ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية .
اطمأن موسى ورفع عصاه وألقاها . لم تكد عصا موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى . وضخامة المعجزة حولت مشاعر ووجدان السحرة ، الذين جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس على الفوز لنيل الأجر . الذي بلغت براعتهم لحد أن يشعر موسى بالخوف من عملهم . تحولت مشاعرهم بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } . إنه فعل الحق في الضمائر . ونور الحق في المشاعر ، ولمسة الحق في القلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين .
إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم ، ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه . وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى . فهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر ، أو أنه من القدرة التي تفوق قدرة البشر والسحر .
والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له ، لأنه أقرب إدراكا لهذه الحقيقة ، ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور . ومن هنا تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق ، الذي يجددون برهانه في أنفسهم عن يقين . هزت هذه المفاجأة العرش من تحته .
مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين . رب موسى وهارون . بعد أن تم جمعهم لإبطال دعوة موسى وهارون لرب العالمين ! ولأن العرش والسلطان أهم شيء في حياة الطواغيت ، فهم مستعدون لارتكاب أي جريمة في سبيل المحافظة عليهما . تسائل فرعون مستغربا { آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ } كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن يعودوا للحق .
لكنه طاغية متكبر متجبر أعمى السلطان عينيه عن الحق . ويزيد في طغيانه فيقول { إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا } إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك ، وهو يعلم وكل من له عقل أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل . ويظل الطاغية يتهدد { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ويتوعد { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان ، تستعلي على قوة الأرض ، وتستهين ببأس الطغاة ، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة , وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية .
{ قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } إنه الإيمان الذي لا يتزعزع ولا يخضع .
ويعلن السحرة حقيقة المعركة { وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا } فلا يطلبون الصفح والعفو من عدوّهم ، إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين } . فيقف الطغيان عاجزا أما هذا الوعي وهذا الاطمئنان ; عاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق الباطل من جديد . فينفذ تهديده ، ويصلبهم على جذوع النخل .
===================
الـــتـــآمــــر عــلــى
مــــوســــــى ومــــن
آمــــــن مــــــــعــــه
===================
وتبدأ جولة جديدة بين الحق والباطل . فهاهم علية القوم من المصريين ، يتآمرون ويحرضون فرعون ويهيجونه على موسى ومن آمن معه ، ويخوّفونه من عاقبة التهاون معهم . وهم يرون الدعوة إلى ربوبية الله وحدة إفسادا في الأرض . حيث يترتب عليها بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله .
وقد كان فرعون يستمد قوته من ديانتهم الباطلة ، حيث كان فرعون ابن الآلهة . فإن عبد موسى ومن معه الله رب العالمين ، لن تكون لفرعون أي سطوة عليهم . فاستثارت هذه الكلمات فرعون ، وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله ففكر بوحشيته المعتادة وقرر { قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
لم يكن هذا التنكيل الوحشي جديدا على بني إسرائيل . فقد نُفِّذ عليهم هذا الحكم في إبان مولد موسى عليه السلام . فبدأ موسى - عليه السلام - يوصي قومه باحتمال الفتنة ، والصبر على البلية ، والاستعانة بالله عليها . وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده .
والعاقبة لمن يتقي الله ولا يخشى أحدا سواه { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } .
إلا أن قومه بدءوا يشتكون من العذاب الذي حل بهم { قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } إنها كلمات ذات ظل ! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم ! أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك .
وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية ! فيمضي النبي الكريم على نهجه . يذكرهم بالله ، ويعلق رجاءهم به ، ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم .
واستخلافهم في الأرض . مع التحذير من فتنة الاستخلاف ، فاستخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم ، فهو استخلاف للامتحان : { قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
===================
وينقلنا القرآن الكريم إلى فصل آخر من قصة موسى عليه السلام ; ومشهد آخر من مشاهد المواجهة بين الحق والباطل.
===================
حيث يحكي لما قصة تشاور فرعون مع الملأ في قتل موسى . { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } أما موسى عليه السلام فالتجأ إلى الركن الركين ، والحصن الحصين ، ولاذ بحامي اللائذين ، ومجير المستجيرين { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}.
===================
مـــوقــــف الــرجــــل
الـمـــؤمــــــــن مــــن
آل فـــــرعــــــــــون
===================
كادت فكرة فرعون أن تحصل على التصديق لولا رجل من آل فرعون . رجل من رجال الدولة الكبار ، لا يذكر القرآن اسمه ، لأن اسمه لا يهم ، لم يذكر صفته أيضا لأن صفته لا تعني شيئا ، إنما ذكر القرآن أنه رجل مؤمن . ذكره بالصفة التي لا قيمة لأي صفة بعدها . تحدث هذا الرجل المؤمن ، وكان { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } ، تحدث في الاجتماع الذي طرحت فيه فكرة قتل موسى وأثبت عقم الفكرة وسطحيتها . قال إن موسى لم يقل أكثر من أن الله ربه ، وجاء بعد ذلك بالأدلة الواضحة على كونه رسولا ، وهناك احتمالان لا ثالث لهما : أن يكون موسى كاذبا ، أو يكون صادقا ، فإذا كان كاذبا { فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } ، وهو لم يقل ولم يفعل ما يستوجب قتله . وإذا كان صادقا وقتلناه ، فما هو الضمان من نجاتنا من العذاب الذي يعدنا به؟ تحدث المؤمن الذي يكتم إيمانه فقال لقومه : إننا اليوم في مراكز الحكم والقوة . من ينصرنا من بأس الله إذا جاء؟ ومن ينقذنا من عقوبته إذا حلت؟ إن إسرافنا وكذبنا قد يضيعاننا . وبدت كلماته مقنعة . إنه رجل ليس متهما في ولائه لفرعون . وهو ليس من أتباع موسى . والمفروض أنه يتكلم بدافع الحرص على عرش الفرعون . ولا شيء يسقط العروش كالكذب والإسراف وقتل الأبرياء .
ومن هذا الموضع استمدت كلمات الرجل المؤمن قوتها . بالنسبة إلى فرعون ووزرائه ورجاله . ورغم أن فرعون وجد فكرته في قتل موسى ، صريعة على المائدة . رغم تخويف الرجل المؤمن لفرعون . رغم ذلك قال الفرعون كلمته التاريخية التي ذهبت مثلا بعده لكل الطغاة : { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } .
هذه كلمة الطغاة دائما حين يواجهون شعوبهم { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } . هذا رأينا الخاص ، وهو رأي يهديكم سبيل الرشاد .
وكل رأي غيره خاطئ . وينبغي الوقوف ضده واستئصاله لم تتوقف المناقشة عند هذا الحد . قال فرعون كلمته ولكنه لم يقنع بها الرجل المؤمن . وعاد الرجل المؤمن يتحدث وأحضر لهم أدلة من التاريخ ، أدلة كافية على صدق موسى . وحذّرهم من المساس به . لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها ، فأهلكها الله : قوم نوح ، قوم عاد ، قوم ثمود .
ثم ذكّرهم بتاريخ مصر نفسه . ذكّرهم بيوسف عليه السلام حين جاء بالبينات ، فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن كادت النجاة تفلت منهم ، ما الغرابة في إرسال الله للرسل؟ إن التاريخ القديم ينبغي أن يكون موضع نظر . لقد انتصرت القلة المؤمنة حين أصبحت مؤمنة على الكثرة الكافرة .
وسحق الله تعالى الكافرين . أغرقهم بالطوفان ، وصعقهم بالصرخة . أو خسف بهم الأرض . ماذا ننتظر إذن؟ ومن أين نعلم أن وقوفنا وراء الفرعون لن يضيعنا ويهلكنا جميعا؟ كان حديث الرجل المؤمن ينطوي على عديد من التحذيرات المخيفة . ويبدو أنه أقنع الحاضرين بأن فكرة قتل موسى فكرة غير مأمونة العواقب . وبالتالي فلا داعي لها .
إلا أن الطاغية فرعون حاول مرة أخرى المحاورة والتمويه ، كي لا يواجه الحق جهرة ، ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه . وبعيد عن احتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه . فطلب أن يبنى له بناء عظيم ، يصعد عليه ليرى إله موسى الذي يدعيه . وبعيدا أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج . وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور . وإنما هو الاستهتار والسخرية من جهة .
والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى بعد هذا الاستهتار ، وهذا الإصرار ، ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة : " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ { 38 } يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ { 39 } مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ { 40 } وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ { 41 } تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ { 42 } لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ { 43 } فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"
{ 44 : غافر }
أنهى الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة . بعدها انصرف . انصرف فتحول الجالسون من موسى إليه . بدءوا يمكرون للرجل المؤمن . بدءوا يتحدثون عما صدر منه . فتدخلت عناية الله تعالى { فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } وأنجته من فرعون وجنوده .
===================
إبـــتــــــلاء الـــلــــه
أهـــــــل مـــــصـــر
===================
أما حال مصر في تلك الفترة فلقد مضى فرعون في تهديده ، فقتل الرجال واستحيا النساء .
وظل موسى وقومه يحتملون العذاب ، ويرجون فرج الله ، ويصبرون على الابتلاء . وظل فرعون في ظلاله وتحدّيه . فتدخلت قوة الله سبحانه وتعالى ، وشاء الله تعالى أن يشدد على آل فرعون . ابتلاء لهم وتخويفا ، ولكي يصرفهم عن الكيد لموسى ومن آمن معه ، وإثباتا لنبوة موسى وصدقه في الوقت نفسه . وهكذا سلط على المصريين أعوام الجدب . أجدبت الأرض وشح النيل ونقصت الثمار وجاع الناس ، واشتد القحط . لكن آل فرعون لم يدركوا العلاقة بين كفرهم وفسقهم وبين بغيهم وظلمهم لعباد الله . فأخذوا يعللون الأسباب . فعندما تصيبهم حسنة ، يقولون إنها من حسن حظهم وأنهم يستحقونها .
وإن أصابتهم سيئة قالوا هي من شؤم موسى ومن معه عليهم ، وأنها من تحت رأسهم ! وأخذتهم العزة بالإثم فاعتقدوا أن سحر موسى هو المسئول عما أصابهم من قحط . وصور لهم حمقهم أن هذا الجدب الذي أصاب أرضهم ، آية جاء بها موسى ليسحرهم بها ، وهي آية لن يؤمنوا بها مهما حدث .
فشدد الله عليهم لعلهم يرجعون إلى الله ، ويطلقون بني إسرائيل ويرسلونهم معه . فأرسل عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمل - وهو السوس - والضفادع ، والدم .
ولا يذكر القرآن إن كانت جملة واحدة ، أم واحدة تلو الأخرى . وتذكر بعض الروايات أنها جاءت متتالية وحدة تلو الأخرى . إلا أن المهم هو طلب آل فرعون من موسى أن يدعو لهم ربه لينقذهم من هذا البلاء . وبعدونه في كل مرة أن يرسلوا بني إسرائيل إذا أنجاهم ورفع عنهم هذا البلاء { قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَبَنِي إِسْرَآئِيلَ}.
فكان موسى - عليه السلام - يدعو الله بأن يكشف عنهم العذاب . وما أن ينكشف البلاء حتى ينقضون عهدهم ، ويعودون إلى ما كانوا فيه { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } لم يهتد المصريون ، ولم يوفوا بعهودهم ، بل على العكس من ذلك . خرج فرعون لقومه ، وأعلن أنه إله . أليس له ملك مصر ، وهذه الأنهار تجري من تحته ، أعلن أن موسى ساحر كذاب . ورجل فقير لا يرتدي أسورة واحدة من الذهب . ويعبّر القرآن الكريم عن أمر فرعون وقومه : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}.
استخف بعقولهم .
واستخف بحريتهم .
واستخف بمستقبلهم .
واستخف بآدميتهم . فأطاعوه . أليست هذه طاعة غريبة .
تنمحي الغرابة حين نعلم أنهم كانوا قوما فاسقين . إن الفسق يصرف الإنسان عن الالتفات لمستقبله ومصالحه وأموره ، ويورده الهلاك . وذلك ما وقع لقوم فرعون .
===================
خـــــــروج بــــنــــي
إســـــــرائــــيـــــــل
مـــــن مــــــصـــــــر
===================
بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى . ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل ، ولن يكف عن استخفافه بقومه . هنالك دعا موسى وهارون على فرعون .
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ { 88 } قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ.
{ 89 : يونس }
لم يكن قد آمن مع موسى فريق من قومه . فانتهى الأمر ، وأوحي إلى موسى أن يخرج من مصر مع بني إسرائيل . وأن يكور رحيلهم ليلا ، بعد تدبير وتنظيم لأمر الرحيل . ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده؛ وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر { وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمطقة البحيرات}.
وبلغت الأخبار فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج . فأرسل أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم . ليدرك موسى وقومه ، ويفسد عليهم تدبيرهم . أعلن فرعون التعبئة العامة .
وهذا من شأنه أن يشكل صورة في الأذهان ، أن موسى وقومه يشكلون خطرا فعلى فرعون وملكه ، فيكف يكون إلها من يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر؟ ! لذلك كان لا بد من تهوين الأمر وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم { إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا ، وعلى أي حال ، فنحن حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور .
وقف موسى أمام البحر . وبدا جيش الفرعون يقترب ، وظهرت أعلامه . وامتلأ قوم موسى بالرعب . كان الموقف حرجا وخطيرا . إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليس معهم سفن أو أدوات لعبور البحر ، كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال . إنهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين .
سيذبحهم فرعون عن آخرهم . صرخت بعض الأصوات من قوم موسى : سيدركنا فرعون . قال موسى : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } .
لم يكن يدري موسى كيف ستكون النجاة ، لكن قلبه كان ممتلئا بالثقة بربه ، واليقين بعونه ، والتأكد من النجاة ، فالله هو اللي يوجهه ويرعاه . وفي اللحظة الأخيرة ، يجيء الوحي من الله { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ } فضربه ، فوقعت المعجزة { فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } وتحققه المستحيل في منطق الناس ، لكن الله إن أراد شيئا قال له كن فيكون . ووصل فرعون إلى البحر . شاهد هذه المعجزة . شاهد في البحر طريقا يابسا يشقه نصفين . فأمر جيشه بالتقدم . وحين انتهى موسى من عبور البحر .
وأوحى الله إلى موسى أن يترك البحر على حاله { وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ}.
وكان الله تعالى قد شاء إغراق الفرعون . فما أن صار فرعون وجنوده في منتصف البحر ، حتى أصدر الله أمره ، فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه . وغرق فرعون وجيشه . غرق العناد ونجا الإيمان بالله .
ولما عاين فرعون الغرق ، ولم يعد يملك النجاة { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } سقطت عنه كل الأقنعة الزائفة ، وتضائل ، فلم يكتفي بأن يعلن إيمانه ، بل والاستسلام أيضا { وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } لكن بلا فائدة ، فليس الآن وقت اختيار ، بعد أن سبق العصيان والاستكبار { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } انتهى وقت التوبة المحدد لك وهلكت .
انتهى الأمر ولا نجاة لك . سينجو جسدك وحده . لن تأكله الأسماك ، ولين يحمله التيار بعيدا عن الناس ، بل سينجو جسدك لتكون آية لمن خلفك .
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ.
{ 92 : يونس }
أسدل الستار على طغيان الفرعون . ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ .
بعد ذلك . نزل الستار تماما عن المصريين . لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم .
فكان خروجهم هذا هو الأخير . وكان إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز؛ فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم ! لا يحدثنا القرآن الكريم عما فعله من بقى من المصررين في مصر بعد سقوط نظام الفرعون وغرقه مع جيشه .
لا يحدثنا عن ردود فعلهم بعد أن دمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشيدون . يسكت السياق القرآني عنهم . ويستبعدهم تماما من التاريخ والأحداث .
===================
يـــــتــــــــبـــــــــع
الـــجــزء الــثـالــث
===================